الخميس، 27 سبتمبر 2012

قراءةُ .. في وجهِ لندنْ .





وجهُ لندنْ
واجمٌ .. تكسوه حبات المطَرْ
وجهُّها .. وجه حبيبٍ
راعه يوم الفراق
فتغضّنْ
و هو يجتازُ تعابيرَ الكدرْ
والشَجرْ
ذكريات الورق الساقطِ ..
والطْيرِ الذي هَاجَر..
والصيفِ الدافيءِ المختصرْ
و على وجهك آثارُ اشتياقْ
في صراعٍ معَ آثار الضجرْ
كلّ لونٍ .. يتلوّنْ
يصبح الأخضرَ بُنياً ..
و تغدو زُرقة الأفق رماداً .. 
يتعّرىَ الفحمُ .. من وهْجِ الشررْ
و يسير القلبُ من حالٍ إلى حالٍ
و يخلو الجفنُ من أدمعهُ ..
يسرقُ من دمعِ المطرْ 
هّو أرعنْ
ذلك الحبُ الذي يحسبُ أن الحُبّ يبقىَ
فيدوم العشقُ عِشقاً
و يظل الشوقُ شوقاً
دورةٌ ، كالمدّ والجزر ، علىَ رقصتِها
يرتحلُ الحبُّ .. 
إلى أن يبلُغَ الأينُ السفرْ
حسناً !
لن ينبِض الهاتفُ في منتصفِ الليّل .. 
ولن تسعىَ الإشاعاتُ
بأسرارِ الخبرْ
كان حُباً
وعبَرْ
سوف نحزنْ
أو لمّ نشهدْ ، معاً ، عُرسَ القمرْ ؟
أو لمّ نشربَ ، معاً ، روحَ النهرْ ؟
أو لمّ نقطِف، معاً ، نجمَ العناقْ ؟

وجه لندنْ
شاحب فيهِ ، كمَا في وجهك
الشاحبِ ، أظفارُ السهَر
وجه لندنْ
ظَلَّ طولَ الليل .. يشكو
غُرْبة العُشّاقِ في هذا الزمنْ
زمن السوق الذي أصبح فيه
كل شيءٍ .. بثمنْ
البُكا .. والضحكُ .. والأبناءُ ..
والفِكرُ الموشّى .. والبدنْ

افتحي الشّباكَ !
ما أجملَ إيقاع المطرْ 
صوتُ طفلٍ يتكونْ
صوتُ مخلوقٍ من الحزنْ .. 
خريفيّ .. خُرافيّ .. رقيق .. و وديعْ
هارب من نزقِ الصيف ..
ومن طيشِ الربيعْ
آهِ ! ما أروعَ هذا الحزنْ
هذا الشجن الطفل 
الذي بعثرَ قلبي في المطرْ
و سقى منه ملايّين البشرْ .

السبت، 7 يوليو 2012

سأحلم


سأحلم يوماً إلى أن أحسّ
بأني تجاوزتُ دنيا البشرْ
و أنّي استحلتُ خيوط ضياءٍ
و أنّي غفوتُ بحضنِ القمرْ
سأحلمَ حتى أحس الوجود
جناناً تموج بأحلى الصُورْ
و حتى أرى الدرب حولي يطول..
يطول إلى حيث يعيا البصرْ
و حتى أحسَ بأني انتصرتُ
و أنيّ هزمتُ مآسي القدرْ

**

سأحلمُ حتى أرى عالمي
المشوّه .. حثَّ الخطا .. و ارتحلْ
فلا همسةٌ تترجَى الزمانْ
ولا أنّةٌ تتشكى المللْ
ولا أمسياتٌ تمرُّ عليّ
خريفيّةٌ الوطءِ لا تُحتَملْ
و لا وحدةٌ كظلام القبور
بليلٍ دقائقه كالأزلْ
سأحلمّ حتى أضمَّ المساء
و أغمر أطيافه بالقُبلْ

**

سأهرب من ثورةِ الذكريات
و عصف الحنين بقلبي ( …..)
فيا طالما عبرتْ بي الحسان
ظِلالاً تضيع مع الموكب
و في كل يومٍ غرامٌ جديد
يموتُ على الخافقِ المُتعبِ
لك الله يا عمر .. كم مرّةٍ
قصدت الغدير .. ولم تشرب ؟
ويا قلب ! غامرتَ بين الدروب
فمالك تبحث عن مهرب ؟

**

و شقراءُ خطَ عليها الجمال
سطوراً من السحرِ والفتنةِ
بدأتُ بها قصتي في الهوى
و إن كنت لم أختتم قصتي
و كانت تغني .. وكنت أغيبُ
مع اللحن .. أبحر في نشوتي
عرفتُ بها كيف يوحي الحنين
قصيداً أرق من النسمةِ
و كان اللقاء اليتيم .. وعدتُ
وحيداً تُعانقني خيبتي 

** 
و سمراء كانت رسول الهوى
و شاء الهوى فعشقت الرسولا
و أيقنتُ أنّي مُنحتُ المُنى
و أنّي نفضت الضياع طويلا
رأيتُ الربيع على وجنةٍ
كستها أكفّ الخريف ذُبولا
و أقنعتُ نفسي أن الغرام 
يحوّل كل قبيحٍ جميلا
و عِشت مع الوهم حتى سمعتُ
نداء يصيحُ : " ضللت السبيلا "

**

و أخرى إذا ما ذكرتُ لديها
تراءى الحنين بأجفانها
تمّر عليّ مرور الملاك
و تغمر روحي بتحنانِها
و أشكو إليها خطوب الزمان
و تُفضي إليّ بأحزانها
وألمح في عينها دعوةٌ
يضيق الحنين بكتمانِها
و تهتف بي فيموت الجواب
صريعاً على نارِ حرمانها

**

و أخرى .. وأخرى يطول الطريقُ
ويعيا الفؤاد .. ويعيا العدد
فمنّهن من أشتهي للخيال
و منّهن من أشتهي للجسدْ
و منّهن من طيفها كالسراب
و منّهن مَنْ حبُّها للأبدْ
تمّر الليالي .. ومازال قلبي
يهيم مع الحسن أنّى شرد
و مازلت أحلم بعد الطواف
بأسطورة الحُلم المفتَقَدْ .

سرّ


تعالَــــي ! .. لنقسـم قبل الفراقْ  على عهـدِنا 
بأن نكتم السِّر في صدرنــا 
ونسكنه قلبنا المُحتِـرقْ
ونقنع منـه بفيض الحنينْ 
وومض الدموعْ
***
هـوانا القصير طواه الفراقْ 
وأسدِل ستر الوداع الرهيب
على قصّةٍ كخيال الصغارْ
وما زلتُ أجهل كيف التقينا 
وكيف احترقنا بدفء اللقاءْ
وكيف ترعرع في لمحتين غرامٌ وليدْ
أطلَّ على عمرنا بالمُنـى 
فداعب ايامنا الواجمـه 
وأيقظ أحلامنا النائمـهْ
ولم يعترفْ بحدود البَشرْ
***
أيا واحتي في قفار الزمـانْ
ويا جنّـةً لم أذق خمرها 
ويا شفةً لم تدسْها القُبْل
دعي حبنَّا غافياً في الظلام
فإن هوانا اليتيم الصغير
غريبٌ على الناسِ .. لن يفهموه 
فلا تكشفيه 
وإن طاف اسمي بين الشفاه 
فقولي بأنكِ لم تعرفيه
***
سأكتمُ حبكِ بين الضلوع 
وأحيا أناجيـه في وحدتي
وإن سألوني :
" أما من حبيبٍ لديك يبادلك القُبلاتْ ؟ " 
سأصرخ : " إني وحيدٌ .. وحيدْ .. بلا ذكريات " 
وأهرب منهم إلى غرفتي 
وأخلو برسمكِ والذكرياتْ 
1959م 

الأحد، 1 يوليو 2012

أزفُّ إليك الخبر !



- إلى  نزار قباني .. الذي سأل

نزارُ ! أرفُّ إليكَ الخَبرْ
لقد أعلنوها .. وفاةَ العربْ
و قد نشروا النعْيَ فوق السُطورِ ..
و بَينَ السطورِ .. وتحت السُطَورِ ..
وعبْرَ الصُوَرْ
و قد صدَرَ النعْيُ ..
بعد اجتماعٍ يضمُّ القبائلَ ..
جاءته حِمْيرُ تحدو مُضَرْ
و شارونُ يرقصُ بين التهاني
تَتَابعُ من مَدَرٍ أو وَبَرْ
و " سامُ " الصغيرُ .. على ثورِهِ
عظيمُ الحبورِ .. شديدُ الطَرَبْ

**

نزارُ ! أزفُّ إليكَ الخَبَرْ
هنالك مليونُ دولارَ ..
جاء بها زعماءُ الفصاحةِ ..
كي ننشرَ النعْيَ
في صُحفِ القاتلينْ
أتبتسمُ الآن ؟ 
هذه الحِضارةُ ! ..
ندفعُ من قُوتِنا ..
لجرائد سادتنا الذابحينْ
ذَكاءٌ يحيِّرُ كُلّ البَشَرْ

**

نزارُ ! أزفُّ إليكَ الخَبَرْ
و إيّاك أن تتشرَّبَ روحُك
بعضَ الكَدَرْ
فنحن نموتُ .. نموتُ .. نموتُ ..
و لكنّنا لا نموتُ ..
 نظلُّ غرائبَ من معجزاتِ القَدَرْ
إذاعاتُنا لا تزالُ تغنّي
و نحن نهيمُ بصوْتِ الوَتَرْ
و تلفازُنا مرتعُ الراقصاتِ
فكِفلٌ تثنِّى .. ونهدٌ نَفَرْ
و في كلّ عاصمةٍ مُوتَمرْ
يباهي بعوْلمةِ الذُلِّ ..
يفخرُ بين الشعوبِ …
بداءِ الجَرَبْ
و ليْلاتُنا مُشرقاتٌ مِلاحُ
تُزيّنُها الفاتناتُ المِلاحُ
إلى الفجرِ …
حين يجيءُ الحَذَرْ
وفي " ديزني لاندَ " جموعُ الأعاريبِ ..
تهزجُ مأخوذةً بالُلَعَبْ
و لَندَنُ - مربطُ أفراسنا ! -
مزادُ الجواري .. وسوقُ الذَهَبْ
و في " الشانزليزيه " … 
سددْنا المرورَ .. 
منعْنا العُبورَ ..
و صِحنا : " تعيشُ الوجوهُ الصِباحُ ! " 

نزارُ ! أزفُّ إليكَ الخبرْ
يموتُ الصغارُ .. وما مِن أحَدْ
تُهدُّ الدِيارُ .. وما من أَحَدْ
يُداسُ الذِمارُ .. وما من أحَدْ
فمعتصمُ اليومَ باع السُيوَفَ
و " لبيريزَ " ….
عادَ .. وأعلن أنّ السلامَ انتصرْ
و جيشُ " ابنِ أيوبَ " مُرتَهَنٌ
في بنوكِ رُعاةِ البَقَرْ
و " بيبَرْسُ " يقضي إجازته
في زنودِ نساءِ التَتَرْ
و وعّاظُنا .. يرقبون الخَلاَصَ
مع القادمِ .. المُرتجَى .. المُنتظرْ

**

نزارُ ! أزفُّ إليكَ الخَبَرْ
سئمْتُ الحياةَ بعصرِ الرُفاتِ
فهيئْ بقربكَ لي حُفرةً
فعيشُ الكرامةِ تحتَ الحُفَرْ

لَورا ..


ذاكَ حُبِّي .. إذا الجمال رآها
ذابَ مِن فرطِ حُسنِها الفتَّانِ
لَورا .. تِلكَ لَورا .. فداءُ لَورا الغوانّي 
** 

تَتوارى .. عنِ العُيونِ احتشاماً
و حناناً بمُهجةِ الفنَّانِ
أنتَ شادٍ .. و مِثلُها ينشدُ الرَّفقَ
صواباً في لُجَّةٍ مِن حنانِ
لَورا .. تلكَ لَورا .. فداءُ لَورا الغواني

**
و تَوارت .. تحتَ الحنايا فكانت
نابضاً في مشاعري وكياني
لا تسلنّي .. يا شاعري عن هواهَا
يرفضُ السرَّ أن يبوحَ لِساني
لَورا .. تلكَ لَورا .. فِداءُ لَورا الغواني
** 

عِندما .. تُصبحُ القُيودُ حناناً
و تمُرُّ السَّنون مِثلَ الثَّواني
عِندها .. تُصبحُ القُيودُ إنعتاقاً
و إنطلاقاً .. إلى عزيزِ الأماني
لَورا .. تِلكَ لَورا .. فِداءُ لَورا الغواني 

الخميس، 28 يونيو 2012

جملٌ غير مفيدة .. مهداة إلى مدرسة لغة عربية





أنا في النحوِ .. وفي الصرفِ ضعيفْ
لم يُعلِّمني الكِسائيُّ ..
ولا الفرّاءُ .. أستاذي العتيدْ
أنا، يا سيَّدةَ الإعرابِ، كالأعرابِ
إيقاعيَ إيقاعُ الحُداءْ
عندما ترتحلُ الناقةُ في ليلِ المُحبّين الظِماءْ
أنا لا أعرفُ من كلِّ بحورِ الشِعرِ
إلّا ذلكَ البحرَ المخيفْ
حيثُ يهوي مدمنو الموتِ
إلى صدرِ عناقْ
وإلى عجزِ فراقْ

**

أنا، يا أستاذتي ، طفلٌ غبيٌّ ..
دلّلوهُ
أشفقوا أن يضربوهُ
عندما جرّ مضافاً
شأنُه أن ينصبوهُ
عندما حرّك إسماً
جبنوا أن يلمسوهُ
فنما الطفلُ المُدلّلْ
وهو يجهلْ
كلَّ تفعيلاتِ مفعول .. ومفعال
و أفعلْ

**

آه ! يا ساحرةَ الضمّةِ .. والكَسْرةِ ..
والفتحةِ .. والشَدّةِ ..
يا أحلى سكونْ
لك نُونْ
ولباقي نسوةِ العالمِ نُونْ
آهِ ! يا أروعَ حالٍ
كانَ أو سوفَ يكونْ
آهِ ! يا أجملَ ظرفٍ
في زمانٍ .. أو مكانْ
مُتُّ، يا أستاذتي الحسناءَ ، موتا
بين ما انْفَكَّ
وما زالَ ..
وهيهاتِ ..
وحتّى 

**

علّمي تلميذَك الأبله ..
ألغازَ القواعدْ
علّميه الوصلَ .. لافي الفصل ..
بل بينَ السواعِدْ
علّميه نشوة التمييز ما بين
 صديقٍ و حبيبْ
و استُريه بجناحِ العطف
في الليلِ الرهيبْ
و صِفي كيف التصاقُ الوصفِ ..
بالموصوفِ .. لا يخشى الرقيبْ
و اسكبي في أذنيهْ
لسعةَ العقربِ والزنبورِ
لا تُبقي عليهْ
وإذا ماتَ .. فقولي :
" ماتَ مقهوراً كجدّي سيبويْه "

**

في الختامْ
أعربي ما تحته خطٌ
وتحتَ الحبِّ خطٌ
إنه الموتُ الزؤامْ
والسلامْ !

الاثنين، 30 أبريل 2012

أميــر الفــــلّ ـ في وداع نزار قباني

  أمـــير الفــلّ 

                       



                              
                                                                            في وداع نزار قباني ـ رحمه الله 
                                                                                             ديوان : يا فدى ناظريك





كتبـتُ اِسمـكَ فـوقَ الغيـمِ بالمطـرِ 

وبالجدائلِ .. في سبّورة القمـــــرِ

يا للوسيمِ الدمشقيّ الذي هَرمِـــتْ

دنياهُ .. وهو على وعدٍ مع الصِغـــرِ

تجئينا كلّما باحتْ قُـرنفـــــلـةٌ

وكلّما اصطبغَ الرمّانُ .. بالخـــفـرِ

وكلّما وشوشتْ سمراءُ عاشقَهــــا

وكلّما اجتمع الأصحابُ للسهـــرِ

تجئينا يا أمير الفــلِّ مُـتّشحـــاً

بكلِّ ما في ضمير الفلِّ من صـــورِ 

تدري المليحةُ أنَّ العِطرَ زائرهُــــا

إذا أطلّتْ من الشباكِ في السَحَـــرِ

                  ***

تركتَ في كلِّ دارٍ وهجَ زنبقــــةٍ

كأنّمـا أنتَ إعصـارٌ من الزَهَـــرِ

رسمتَ .. حتَّى سلبتَ القبحَ وحشـتهُ

فعادَ الحسنِ .. يغري العينَ بالنَظـــرِ

كلُّ الصبايا جميلاتٌ .. وكلُّ فتــىً

هو العروسُ .. وكلُّ الكونِ للسَمَــرِ

عجبتُ للكلمةِ الخضراء .. تزرعُـهـا

فترقصُ البيدُ في بحرٍ من الشَجَــــر

               ***

تموتُ كيفَ ؟ .. وللأشعـارِ مملكــةٌ

وأنتَ فيها مليكُ البدوِ والحَضَــــرِ

تسيرُ بين الرعايا .. ناثراً صُـــــرراً

من الكواكبِ والحلوى .. على صُــَررِ

تعطي .. وتأخذُ .. أوراقاً ملّــونــةً

تطيرُ منها فراشاتٌ من الشَـــــررِ

في كلّ حرفٍ عصافيرٌ  مشاغبــــةٌ

ومجنــا .. وتقاسيـمٌ على الوتـــرِ

إذا قرأناكَ .. عِشنـا رحلةً عبـــرتْ

بكلّ شيءٍ جميلٍ في دمِ البَـشَــــرِ








                                         1418هـ
                                      1998م